الخليج العربي, التاريخ العريق

الخليج العربي, التاريخ العريق

الخَلِيِج العَرَبِي هو ذراع مائية لبحر العرب يمتد من خليج عمان جنوباً حتى شط العرب شمالاً بطول 965 كيلومترا. تبلغ مساحة الخليج العربي نحو 233,100 كيلومتر، ويتراوح عرضه بين حد أقصى حوالي 370 كم إلى حد أدنى 55 كم في مضيق هرمز. والخليج العربي ضحل لا يتجاوز عمقه 90 متراً إلا في بعض الأماكن. يبلغ طول الساحل العربي على الخليج العربي 3,490 كيلومتر وهو أطول من الساحل الإيراني، إذ تملك إيران ساحلاً يبلغ طوله 2,440 كيلومتراً على الخليج العربي، وبهذا فإن الساحل العربي أطول بحوالي 1,050 كيلومتراً من الساحل الإيراني.

يفصل الخليج العربي شبه الجزيرة العربية وجنوب غرب إيران، وتطل عليه ثماني دول هي العراق والكويت والسعودية وقطر والإمارات وعُمان وإيران كما تحيط مياه الخليج العربي بدولة البحرين. يحده من الشمال والشرق إيران؛ بينما تحده من الجنوب الشرقي والجنوب كل من سلطنة عمان والإمارات العربية المتحدة، وتحده من الجنوب الغربي والغرب كل من المملكة العربية السعودية وقطر، وتقع كل من الكويت والعراق على أطرافه الشمال غربية، بينما تقع البحرين ضمن مياه الخليج الغربية شمال قطر.

والمنطقة تلعب دوراً مهماً على الصعيد العسكري، والاقتصادي، والسياسي، إذ إن العديد من ناقلات النفط تعبر من خلاله عبر الموانئ النفطية الواقعة على سواحله وذلك لأن أغلب البلدان التي تطل على سواحله هي مُصدرة للنفط، إضافة إلى ذلك فإن مياهه تضم حقولاً نفطية وغازية، وهو من أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم.

التسمية والخلاف

Crystal Clear app kdict.png مقالة مفصلة: الخلاف على اسم الخليج العربي

خارطة نشرت في الأطلس الصغير عام 1634 لرسامي الخرائط ميركاتور وهندويس يظهر فيها الخليج وقد كتب عليه باللاتينية اسم «sinus arabicus» أي الخليج العربي

خارطة قديمة للخليج العربي

أطُلقت على الخليج العربي أسماء عديدة عبر التاريخ كان أقدمها بحر أرض الآله إلى الألف الثانية قبل الميلاد، وعُرف لدى السومريين والأكديين بأسماء عدة منها بحر الشروق الكبير، البحر الأسفل، والنهر المر، وبحر شرق الشمس الكبير، وبحر بلاد الكلدانيين. سماه بعض الكُتاب اليونانيون والرومانيون البحر الأرثيري (الأحمر) لأنهم اعتبروه جزءاً من بحر العرب الذي اُطلق عليه الأحمر. وقد سماه المؤرخ الروماني بلينيوس الأصغر اسم الخليج العربي. وسماها بطليموس المؤرخ الإغريقي 150 ق.م بخليج ميسان على الاسم المملكة ميسان العربية الواقعة في الأحواز في شمال الخليج العربي

وعُرف أيضاً بمسمى بحر فارس وأول من أطلق هذه التسمية هو نيارخوس قائد أسطول الإسكندر الأكبر عام 325 ق.م لأنه سار بمحاذاة الساحل الفارسي ولم يدرك أن هناك ساحلاً آخر. وسماه الجغرافيون الفرس خليج العراق في القرن الرابع الهجري.

وسماه العرب والدولة العثمانية خليج البصرة وأيضاً يحمل عدة أسماء استخدمها العرب منها خليج عمان، خليج البحرين أو خليج القطيف لأن هذه المدن كانت تتخذه منطلقاً للسفن التي تبحر عبابه وتسيطر على مياهه، ويعود اسم بحر البصرة إلى فترة الفتح الإسلامي.

وانحصرت تسميته حالياً على مسميين رئيسيين هما الخليج العربي والخليج الفارسي. تستخدم تسمية الخليج العربي رسمياً من قبل دول الجامعة العربية، وجميع البلدان العربية والمنظمات العربية، كما تستخدمه الأمم المتحدة في محاضر مؤتمراتها ومراسلاتها وفي وثائقها العربية والجمعيات الجغرافية والعربية. أما التسمية الأخرى الخليج الفارسي نسبة إلى بلاد فارس فتستخدم عالمياً.

إلى جانب هذين التسميتين يتم تداول مصطلح الخليج العربي – الفارسي في بعض الأوساط لتجنب الخلاف الدائر بين إيران والدول العربية، الذي تستعمله الجمعية الوطنية للجغرافيا التي تصدر مجلات ناشيونال جغرافيك، وكذلك مصطلح الخليج الإسلامي، وهناك دراسة أكاديمية دعت إلى إعادة إطلاق (خليج البصرة) على الشواطيء العراقية منه ، وتستعمل باقي دول العالم نقلاً عن المصادر الغربية تسمية الخليج الفارسي التي تخلط أحياناً مع تسمية الخليج العربي.

الموقع

يقع الخليج العربي جنوب غرب قارة آسيا بين خط عرض 23 إلى 30 درجة شمالاً، وخط طول 48 إلى 56 درجة جنوباً، ويمتد من إيران من جهة الشرق حتى شبه الجزيرة العربية (دول الخليج العربي) غرباً، ويحده العراق شمالاً، ومضيق هُرمز وخليج عمان جنوباً. ويبلغ طوله حوالي 990 كم، ويبلغ أقصى عرض له حوالي 370 كم، ويحتل مساحة مقدارها حوالي 239 ألف كم2، وحجم مياهه يبلغ حوالي 85,00 كيلومتر3. وهو ضحل نسبيّاً حيث أن متوسط عمقه يصل إلى 36 متر فقط، ويصل طول أعمق نقطة فيه إلى حوالي 100 متر وتقع بالقرب من جزيرة هرمز. ويتصل بشمال المحيط الهندي عن طريق بحر العرب عبر مضيق هرمز البالغ عرضه حوالي 56 كم.

ولموقع الخليج العربي أهمية استراتيجية منذ القدم فعدا كونه يتوسط العالم القديم، كان أيضاً أحد الطرق التجارية الهامة الذي تنافست الدول الاستعمارية من أجل السيطرة عليه، وحاليّاً يعد أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم بسبب عبور العديد من ناقلات النفط من خلاله.

التاريخ

البحرية الأمريكية في مياه الخليج العربي

شكل الخليج العربي إضافة إلى البحر الأحمر ممرات مائية أساسية للتجارة ما بين الشرق والغرب لترويج الحركة التجارية والتبادلات الحضارية فيما بين الحضارات الكبرى في الشرق كالهند والصين. وكانت حضارة بلاد الرافدين، قد قامت في أقصى الشمال الغربي من الخليج العربي. وكانت منطقة الخليج العربي ملتقى الحضارات والثقافات القديمة، على مر التاريخ لأنها كانت تقع بأقصى الهلال الخصيب وهو الأرض الخضراء التي تمتد من المنطقة بأقصى شمال الخليج مشَكلّة نصف دائرة حتى شمال غرب هذه المنطقة لتمتد إلى دلتا النيل. وفي الإمارات وعُمان، تم العثور على آثار تدل على وجود مستوطنات سكانية يعود تاريخها إلى سبعة آلاف سنة. وفي هذه المستوطنات تم اكتشاف قطع متميزة من الفخار الأسود من منطقة عبيد (مادة) بالعراق، ممايدل أن التجارة عبر مناطق الخليج المختلفة كانت نشطة.

التاريخ القديم والوسيط

تاجر أبناء بلاد الرافدين وجيرانهم من الحضارات المختلفة عبر الخليج العربي و المحيط الهندي و بحر العرب منذ عصور قديمة، وعلى الرغم من وفرة المنتجات الزراعية في منطقة الرافدين ظلوا بحاجة للحصول علي المعادن والخشب والحجارة، فأنطلقوا بقواربهم عبر النهر ليصلوا لمياه الخليج بحثاً عن هذه الموارد عن طريق تجارة أكثر ربحا. ولقد ذكرت وثائق السومريين التاريخية المكتوبة التي تعود إلى ثلاثة آلاف سنة ق.م. أنهم كانوا يصلون لمنطقة منطقة ميجان (عمان) لجلب النحاس في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية. ومنذ ألفي عام ق.م. وبعد حضارة ميجان ورد اسم دلمون في البحرين في السجلات التاريخية بوصفها مركز تبادل تجاري بين الرافدين وميجان وملوحة؛ (اسم أطلقه الأكاد[؟]يون على منطقة وادي السند)، وعثر هناك على آثار تشتمل على أختام تشير إلى المنطقة التي وردت منها البضائع.

ووصل أبناء وادي الرافدين بقواربهم المجهزة ملاحيا إلى وادي السند، وكان السومريون يصنعون قواربهم من قصب (الغاب). كما أن بحارة ميجان كانوا أيضا يسيطرون علي التجارة ما بين الرافدين والهند عبر الخليج في القرن الثالث ق.م. وكذلك كان أهل دلمون على ساحل الخليج والمدن القريبة من الساحل كأم النار ودلما على ساحل أبو ظبي وفيلكا في الكويت. ومما سهل التجارة شق طريق عام 3500ق.م. يمتد من شمال الخليج لربطه بالبحر المتوسط. السلع التجارية التي كان الخليجيون قديما يتاجرون فيها، ومنها الأعشاب والتوابل واللبان والمر والأقمشة والجواهر والأحجار الكريمة والسيراميك والساج والأرز والمعادن كالنحاس، الذي كان يجلب من ميجن.

وعرف الخليج بوصفه مصدراً أساسياً لتجارة اللؤلؤ، فقلة عمق مياه الخليج مكَنت الغواصين من الوصول إلى عمق البحر لاستخراج محاره منذ أزمان بعيدة. وفي القرن السادس ق.م. أنشأ الأخمينيون إمبراطوريتهم التي امتدت في أوجها إلى جميع أرجاء الشرق الأدنى، من وادي السند إلى ليبيا، وشمالاً حتى حدود مملكة مقدونيا القديمة. وتمكنوا من السيطرة على جميع الطرق التجارية المؤدية إلى البحر الأبيض المتوسط عبر البر والبحر؛ وقام ملوكهم بإعادة بناء الطريق من منطقة السوس في إيران إلى سارديز بالقرب من أفسس وسميرنا. وكان لاحتلال الرومان لمصر أثر كبير في منع العرب من العمل وسطاء تجاريين حيث سيطر الرومان[؟] على طرق التجارة عبر البحر الأحمر وكانوا على دراية وكفاءة عاليتين في مهارات الإبحار. كما سيطروا على الطريق البحري المؤدي إلى الهند.

ولقد استمر الاتصال بالعالم الخارجي واتسع نطاقه، ففي سنة 166م أرسل الإمبراطور الروماني ماركوس أوريليوس من مستعمرته في الخليج العربي مبعوثاً إلى الصين، وباكتشاف أسرار رياح المحيط الهندي الموسمية في القرن الأول الميلادي تابع العرب ممارسة تجارتهم. وقد شهدت القرون التالية نزاعات بين أبناء المتوسط وحضارات جنوب غرب آسيا، ومع ذلك استطاع عرب شبه الجزيرة العربية أن يظلوا حياديين إزاء النزاع القائم، وقد استمروا بالتجارة مرسلين قوافلهم وسفنهم إلى الموانئ، والمراكز التجارية على الجانبين، ولقد ورد وصف للسفن التي كانوا يستخدمونها في كتابات الكاتب البيزنطي بروكوبيوس، قال فيه: “إن جميع القوارب التي كانت تأتي من الهند على هذا البحر لم تكن كغيرها من القوارب، إذ إنه لم يتم طليها بالقطران ولا بأية مادة أخرى، بل كان يتم ربط ألواح الخشب ببعضها بعضاً بوساطة مسامير حديدية كبيرة، تنفذ من لوح إلى آخر وكذلك يتم شد هذه الألواح بحبال لزيادة ترابطها”.

ومن المحتمل أنها كانت تبنى بالطريقة نفسها منذ قرون بعيدة. ولقد تم العثور على قلادة قديمة في تل أبرق في أم القيوين في الإمارات يعود تاريخها إلى 300 ق.م ويظهر عليها رسم واضح يمثل قارباً بخلفية مربعة ومقدمة متقوسة حادة وفوقه شراع، ومن الواضح أن هذا الشراع مطابق إلى حد بعيد للشراع العربي، وتقدم هذه القلادة أقدم وصف للشراع المثلث، الذي يسمى الشراع اللاتيني.

ومع مجيء الإسلام في القرن السابع الميلادي، تغيرت ملامح الخليج العربي وكذلك المنطقة المجاورة بشكل كبير، وابتداءً من هذه الحقبة أصبحت الدولة الإسلامية تسيطر على الطرق التجارية عبر الخليج العربي والبحر الأحمر، وعلى الطرق البرية عبر الأناضول. وفي منتصف القرن الثامن الميلادي اتسعت الدولة الإسلامية من جبال البيرنيه في شبه الجزيرة الأيبيرية وصولاً إلى نهر السند، وخلال سبعمائة سنة تلت انتشر الإسلام غرباً وشرقاً وأصبح المحيط الهندي البحيرة الإسلامية، ولقد سيطر التجار العرب على التجارة وعلى البضائع القادمة من الشرق وخاصة التوابل، وبقي الوضع على ماهو عليه حتى القرن الخامس عشر الميلادي، حين أبحر فاسكو دا غاما حول أفريقيا فاتحاً بذلك طريقاً تجارياً جديداً للممالك الأوروبية، ليدخل البحارة العرب في منافسة مع البحارة الأوروبيين، وباتساع نشاطاتهم التجارية أصبح البحارة العرب أكثر علماً بجغرافيا العالم، وصاروا قادرين على تقديم خرائط أكثر دقة لوصف العالم المعروف آنذاك، وكانوا ينقلون معهم في رحلاتهم الجغرافيين والرحالة، وهم بدورهم سجلوا ملاحظاتهم ووصفهم للأماكن التي قاموا بزيارتها. وفي القرن العاشر الميلادي كتب أحد الرحالة البغداديين وهو ابن حوقل واصفاً الخليج أن مياهه صافية تشف عما تحتها، وأنه يمكن للمرء أن يرى الحجارة البيضاء في القعر، ولقد ذكر كذلك أنه كان هناك الكثير من اللؤلؤ و المرجانوكذلك كان هناك الكثير من الجزر التي يقطنها الناس. ولقد قدم جغرافي آخر، وهو المقدسي وصفاً للبحارة الذين كان يرتحل معهم حول سواحل شبه الجزيرة العربية: “كنت قد رحلت بصحبة رجال ولدوا وترعرعوا في البحر، وكان لديهم كامل المعرفة عنه وعن مراسيه وعن رياحه وجزره، ولقد أمطرتهم بعدد كبير من الأسئلة عن البحر وخصائصه الطبيعية وحدوده، ولقد رأيت لديهم أدلة بحرية يقومون بدراستها ومراجعتها، متبعين إرشاداتها بثقة وحماس”.

ويصف الرحالة ابن بطوطة خطوط التجارة بين الخليج العربي والهند بقوله “أبحرنا من قلوة إلى ظفار حيث كانت الخيول الأصيلة تصدر من هناك إلى الهند، وهذا السفر استغرقنا شهراً وكان مصحوباً بريح محببة”. وعن طريق عدد هائل من القوارب تبحر في المحيط الهندي كان العرب يلتقون بأقرانهم من التجار الهنود وتجار (مالي) والصين، وكانوا يتبادلون نظاماً تجارياً ثقافياً في أغلب الأحيان كان يخلو من النزاعات وبذلك تم توطيد الاتصال بين هذه الثقافات. وقد أبحر التجار العرب بشكل منتظم إلى الصين، وفي بداية القرن الخامس عشر أرسل الصينيون أساطيلهم التجارية في رحلات بحرية متعددة، شملت الخليج العربي وإفريقيا الشرقية، وقد ذكر ابن حبيب في القرن العاشر الميلادي دبا بوصفها واحداً من أهم الأسواق العربية يؤمها التجار من الهند والسند والصين، إضافة إلى أناس من الشرق والغرب.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *