معاني ومصطلحات

ما هو مصطلح الاصطفاء الطبيعي؟

الاصطفاء الطبيعي أو الانتخاب الطبيعي أو الانتقاء الطبيعي هي عملية غير عشوائية، فيها يزداد أو يقل شيوع الخلات الحيوية في التجمع الأحيائي من جراء التكاثر التمايزي (تباين حاملي هذه السمات من حيث التكاثر). وهي آلية أساسية للتطور.

وهنالك تنوع في كل التجمعات الأحيائية. وأحد الأسباب لذلك هو الطفرات العشوائية التي تُحدث تغيرات في الجينوم الخاص بالكائنات الحية. وهذه الطفرات قد يتم توريثها للذرية. خلال حياة الكائنات الحية، ويتفاعل الجينوم الخاص بهم مع بيئتهم، وذلك يولد اختلافات بين السمات (بيئة الجينوم تتضمن خليته، الخلايا الأخرى، الكائنات الحية الأخرى، التجمعات، الأنواع، وكذلك البيئة اللاحيوية). قد يكون الأفراد الحاملون لصيغ معينة من السمات أقدر على النجاة والتكاثر من الأفراد الحاملين لصيغ أخرى من هذه السمات. ولذلك يتطور التجمع. العوامل المؤثرة على النجاح التناسلي هي أيضا مهمة، وهو موضوع طوره تشارلز داروين في مفهوم الاصطفاء الجنسي الذي أتى به. يعمل الاصطفاء الطبيعي على النمط الظاهري، أي على السمات الظاهرية الملاحظة في الكائن الحي: فالكائنات الأسرع عدوا أو الأقوى غالباً تكون هي الأقدر على البقاء وإنتاج نسل يحمل النمط الظاهري الذي يحابيه الاصطفاء. ولكن الأساس الجيني (الوراثي) لأي نمط ظاهري معزز للتكاثر يزداد شيوعاً (أنظر تواتر الأليل). ومع الزمن، يمكن أن تنتج هذه العملية تجمعات متخصصة في مواقع بيئية معينة، ويمكن أن تؤدي بنهاية المطاف إلى ظهور أنواع جديدة. بعبارة أخرى: الاصطفاء الطبيعي هو عملية مهمة (لكن ليست الوحيدة) يحدث من خلالها التطور في التجمعات الأحيائية. وبخلاف الاصطفاء الاصطناعي، الذي يقوم فيه الإنسان بمحاباة سمات معينة، في الاصطفاء الطبيعي، البيئة هي التي تقوم بغربلة السمات والسماح لسمات معينة بالمرور للأجيال اللاحقة.
الاصطفاء الطبيعي هو حجر أساسي في علم الأحياء الحديث. إنَّ تشارلز داروين هو من أتى بمصطلح “الاصطفاء الطبيعي” وأشاعه في أصل الأنواع، كتابه ذو التأثير الكبير الصادر في سنة 1859، وقد أراد له أن يمت بمقارنة مع الاصطفاء الاصطناعي، الذي يُعرف اليوم بالاستيلاد الاصطفائي، عملية يقوم فيها الإنسان المربي للنباتات والحيوانات بمحاباة سماتها المرغوبة وتعزيز فرص تكاثر حامليها بانتظام. ولقد طور مفهوم الاصطفاء الطبيعي في غياب أي نظرية عن الوراثة، فلم يكن معروفا أي شيء من علم الوراثة الحديث في زمن داروين. ودمج التطور الدارويني مع علم الوراثة الكلاسيكي وعلم الوراثة الجزيئي الذي يشار إليه بالاصطناع التطوري الحديث. ويبقى الاصطفاء الطبيعي هو التفسير الأساسي للتطور التكيفي.

مبادئ عامة

هنالك اختلافات طبيعية بين الأفراد في أي تجمع أحيائي. الكثير من هذه الاختلافات لا تؤثر على فرص البقاء (مثل لون العينين في الإنسان)، ولكن البعض منها قد يعزز من فرص البقاء. على سبيل المثال، الأرانب القادرة على العدو أسرع من غيرها لديها فرص أفضل للهروب من المفترسينٍ والنجاة، والطحالب القادرة على استخراج الطاقة من أشعة الشمس بفعالية أكبر تنمو بشكل أسرع. ما يعزز من بقاء الفرد غالباً يعزز من معدل تكاثره أيضاً. ولكن أحياناً تكون هناك مبادلة بين فرص البقاء والتكاثر، بحيث يأتي أحدهما على حساب الآخر. وما يهم في النهاية هو مدة الحياة التكاثرية للكائن الحي.
على سبيل المثال، العُث المفلفل في المملكة المتحدة يتواجد باللونين الفاتح والغامق. خلال الثورة الصناعية، اسودت الكثير من الأشجار التي كان يحط عليها العث نتيجة للسخام، الأمر الذي أعطى للعثات غامقة اللون أفضليةً في الاختباء من المفترسين. مما عزز من فرص بقاء العث الغامق، وبذلك مكنه من إنتاج نسل أكبر عدداً نسبياً. وفي غضون ما يقارب الخمسين سنة، أصبح تقريباً كل العث في مانشستر الصناعية غامق اللون. وقد قُلبت هذه النسبة نتيجة لتأثير قانون الهواء النقي 1956 ، إذ عاد العث الغامق نادراً. وهذا يُظهر تأثير الاصطفاء الطبيعي على تطور العث المفلفل.
إن كانت هذه الخلات المعززة لنجاح الأفراد التناسلي وروثية، أي قابلة للتوريث من الآباء للنسل، فإنَّ نسبة الأرانب سريعة العدو أو الطحالب الفعالة ستكبر في الجيل اللاحق. وهذا ما يسمى بالتكاثر التمايزي. حتى وإن كان الفرق طفيفاً، فإن أي أفضلية وروثية تصبح هي السائدة في التجمع مع مرور الأجيال الكثيرة. هنا البيئة الطبيعية “تحابي” الخلات التي تعطي حاملها أفضلية تكاثرية، مؤديةً لتغيرات تدريجية أو للتطور. وكان تشارلز داروين أول من وصف هذه الظاهرة وأطلق عليها تسمية.
مفهوم الاصطفاء الطبيعي سبق الفهم لعلم الوراثة – آلية التوريث عند كل أشكال الحياة. لكن بالعبارات الحديثة، الاصطفاء الطبيعي يقع على النمط الظاهري للكائن الحي، أو خصائصه الظاهرية، لكن ما يتم توريثه للنسل هو النمط الجيني أو التكوين الوراثي للكائن الحي. النمط الظاهري ينتج عن النمط الجيني والبيئة التي يعيش بها الكائن الحي. وهذا هو الرابط بين الاصطفاء الطبيعي والوراثة، كما تم وصفه في الاصطناع التطوري الحديث. ورغم أن نظرية التطور الكاملة تحتاج لأن تعتمد على مصادر التنوعات الجينية (مثل الطفرات والتكاثر الجنسي)، وكذلك تتضمن آليات تطورية أخرى (مثل الانحراف الجيني وانسياب الجينات)، فإن الاصطفاء الطبيعي على ما يبدو هو أهم آلية لإنتاج تكيفات معقدة في الطبيعة.

التسمية والاستعمال

للمصلطح الاصطفاء الطبيعي تعريفات تختلف قليلاً بالسياقات المختلفة. وهو غالباً يُعَرَّف على أنه يعمل على السمات الوراثية، وذلك لأن هذه هي السمات التي تشترك بعملية التطور مباشرةً. ولكن الاصطفاء الطبيعي يكون “أعمى” من منطلق أنَّ التغيرات بالأنماط الظاهرية (الخواص الفيزيائية والسلوكية) قد تمنح أفضلية تناسلية لحامليها سواء كانت قابلة للتوريث أو لا (يمكن أن تنتج السمات غير الوراثية عن العوامل البيئية أو تجارب الكائن الحي الحياتية).
طبقاً لاستعمال داروين الأصلي للمصطلح، فهو يستعمل غالباً للإشارة إلى كلا النتيجة التطورية للاصطفاء الأعمى وكذلك آلياته. وأحياناً يساعد التمييز بوضوح بين آليات الاصطفاء ونتائجه؛ عندما يكون هذا التمييز ذو أهمية، يقوم العلماء بتعريف “الاصطفاء الطبيعي” تحديداً على أنه “تلك الآليات التي تسهم في اصطفاء الأفراد الذين يتكاثرون”، وبدون النظر إلى قابلية توريث أساس عمل هذا الاصطفاء. وهذا يشار إليه عادةً “باصطفاء النمط الظاهري الطبيعي”.
السمات التي تعزز نجاح الكائن الحي التناسلي “يحابيها” الاصطفاء الطبيعي، فيما “ينبذ” السمات التي تقلل نجاحه. اصطفاء سمة معينة قد يؤدي أيضاً لاصطفاء سمات أخرى مترابطة والتي لا تؤثر على النجاح التناسلي بشكل مباشر. وهذا قد يحدث نتيجة تعدد النمط الظاهري أو الارتباط الجيني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى