تفسيرات ومعاني فسيكفيكهم الله

يحتل تفسير قول الله تعالي في سورة البقرة ” فسيكفيكهم الله ” اهتمام الكثير من العلماء والمفسرين لمعرفة معنى هذه الكلمات الربانية الموجزة التي تحمل معاني كثيرة في أحرف قليلة معبرة عن حفظ الله وحمايته لعباده في كل مكان وزمان دون إسهاب أو تطويل، أحرف بسيطة حاملة معاني ورسائل ربانية كبيرة ذات معني عميق.

معني فسيكفيكهم الله لغوياً

يرى علماء اللغة أن معني الجملة أن الله سيحفظ الرسول الكريم ويحميه من الشر والكيد، ومعناها لغوياً كالتالي:

• كفى الله شخصاً أي يحفظه من كيد فلان ويمنع عنه الأذى والشر وغل الحاقدين.

• كفى، وكفى بـ، كفى ليكفي، أكف، كفاية، هو كافٍ وكفيّ، والمفعول منها مكفيّ للمتعدي.

• كفى الشيء وكفى به وكفى له أي اكتفي وغني وحصل به الاستغناء والاكتفاء عن غيره.

• كفاه شيء ما أي سد احتياجه وأصبح لا حاجة له لغيره.

• اكتفى بالشيء أي أصبح لا يحتاج شيء غيره.

• اكتفي بالله أي أنه لا حاجة لأحد غير الله فهو وحده يكفي، وتزداد الباء على الفاعل في بعض الأحوال كما في قوله تعالى:

” وكفى بالله شهيداً”، أي أن شهادة الله كافية وتغني عن أي شهادة أخرى.

• كاف ويكفي تقال في حالات الزهد والرغبة في كبح جماح الذات ومنعها عن الملذات الدنيوية.

• كفاه هذا الشيء أي أغناه وكفى حاجته.

• كفاه الله فلاناً أي منع عنه شره وحفظه من حقده وحماه منه.

• كفا الله شر العدو أي منع عنه شر عدوه وكيده.

• فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم أي أن الله سيحفظك من شرهم وكيدهم ويعصمك من الغل والحقد.

• فسيكفيك الله أي سيغنيك به عمن سواه ويحميك من كل شر.

إعراب الكلمات الربانية

عند إعراب الكلمات الربانية ” فسيكفيكهم الله ” في اللغة العربية فإنه يجب تقسيمها إلى مقاطع وأجزاء ليسهل إعرابها بشكل صحيح،

ويتم الإعراب بالشكل التالي:

• الفاء: رابط لجواب الشرط المقدر.

• السين: حرف تسويف يشير للمستقبل القريب.

• يكفي: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل.

• الكاف تعرب: ضمير متصل مبني على الفتح وفي محل نصب مفعول به أول.

• هم إعرابها: ضمير متصل مبني على الضم وفي محل نصب مفعول به ثاني.

• الله: هو لفظ الجلالة ويعرب فاعل مرفوع وعلامة الرفع الضمة الظاهرة.

تفسير الجملة الإلهية

جملة فسيكفيكهم الله كلمات ربانية إلهية نورانية تحمل معاني كثيرة في حروفها الموجزة وتم تفسيرها كالتالي:

• الكلمات تحمل معاني مطمئنة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم وللمسلمين أن الله معه في كل خطواته يحميه ويمنع عنه الشر والأذى.

• الكلمات تؤكد للرسول الكريم أن الله يحميه ويعصمه ومن أتبعوه من بطش وأذى الكفار.

• الأحرف القليلة تأكدت تفسيراتها في مواقف كثيرة أنقذ الله نبيه محمد من مواقف كثيرة كما حدث يوم الهجرة حين اجتمع الكفار على قتله ولكن الله نجاه من أيديهم برحمته.

• كلمات الآية يؤكدها إنقاذ الله للرسول الكريم في كثير من المواقف مثلما نجاه من الشاه المسمومة التي أحضرتها له السيدة اليهودية.

• الكلمات المباركة تتكرر في الآيات القرآنية كثيراً لتؤكد أن من يتوكل على الله فإنه دائماً سيكون معه يحميه ويطمئنه ويدخل الراحة والسكينة لقلبه،

كقوله تعالى:” أليس الله بكاف عبده.”

تفسير القرطبي لجملة فسيكفيكهم الله

يقول الله تعالى في سورة البقرة: ” فإن أمنوا بمثل ما أمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما فهم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم.”

وقد جاء تفسير القرطبي لجملة فسيكفيكهم الله محور الحديث هذه المرة كالتالي:

• تشير الآية إلى القول بأنه إذا آمن الكفار وهل الكتاب بالله وكتبه ورسله فقد اهتدوا.

• تؤكد الآية أنه إذا رفض الكفار الإيمان بالله وكتبه ورسله فهم الخاسرون وجزاءهم العذاب والشقاء.

• يرى بعض العلماء أن الكاف في الكلمات قد تكون زائدة كقوله” ليس كمثله شيء”، فلا يجوز التشبيه عن الله عز وجل.

• تفسير فسيكفيكهم الله أن الله سيكفي الرسول الكريم،

وهذا وعد رباني من الله للرسول وتحقق وعده عند قتل بني قنيقاع وبني قريظة وخروج بني النضير.

• يشير معنى الكلمات كما يرى أبو جعفر أن الله سيكفيك يا محمد ويعدك بالكفاية والحماية، وأن من قالوا لك ولأتباعك” كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا.”

فقد تولوا عن الهداية والإيمان بما أمنت به أنت وأصحابك ورفضوا إتباع كتاب الله.

• تشير الكلمات في الآية الكريمة إلى أن الكفار فرقوا بين الله ورسله بطرق عديدة،

إما بالقتال بالسيف أو بالإجلاء لكن الله سميع لكل ما يرددون بألسنتهم من جها ودعوة للضلال والكفر.

• تؤكد الآية أن الله عليم بما يخفي الكفار للرسول ولأصحابه من حقد وحسد وغل وهو فقط الكافي والحامي من كل الشرور.

• يحكي أبي دلامة أنه ذهب للمنصور وعليه قلنسوة طويلة ودراعة مكتوب بين كتفيها ” فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم” وسيفه معلق بوسطه،

وعندما سأله المنصور عن حاله قال: ” بشر يا أمير المؤمنين” قاله له كيف ذاك، وكان رد أبا دلامة:

” ما ظنك برجل وجهه في وسطه وسيفه في أسته وقد نبذ كتاب الله وراء ظهره، فضحك المنصور وأمر بتغيير زي الجنود إكراماً للآية الكريمة.

تفسير ابن كثير للآية الكريمة

يعتبر تفسير ابن كثير من أكثر التفسيرات سلاسة وسهولة للقرآن الكريم، فهو دائماً يقدم المعاني السهلة البسيطة وتفسيره للكلمات ” فسيكفيكهم الله ” وللآية الكريمة كالتالي:

• تفسير ابن كثير لقول الله تعالى: ” فإن أمنوا” هي إشارة للكفار والمشركين ومن لم يؤمن بالله وكتبه ورسله وبأن الله واحد لا شريك له.

• تفسير قول الله تعالى: ” بمثل ما أمنتم به ” معناه إذا آمن الكفار كالمسلمين من أتباع رسول الله ومن أمنوا بجميع الرسل والكتب السماوية.

• تفسير ابن كثير لقول الله عز وجل: ” فقد اهتدوا” أي من اهتدى واتبع الحق والصواب ودين الله ورسوله.

• تفسير كلماته تبارك وتعالى: ” وإن تولوا ” أي أن الكفار يتمسكون بكفرهم وبالباطل ويعرضون عن الحق ويتركون دين الله رغم ما قدم لهم من براهين وحجج وأدلة على وجود الله ووحدانيته.

• تفسير العالم ابن كثير لقول الله تعالى: ” فإنما هم في شقاق فسكيفيكهم الله،

أي أن الله تعالى سيعاقب الكفار والمعرضين عن دين الحق بالعذاب والشقاء .

وأن الله سينصرك يا محمد عليهم وسيكيفك شرهم وأذاهم.

• يروي بن نافع بن أبي نعيم عن كلمات ” فسيكفيكهم الله ” أن بعض الخلفاء أرسلوا مصحف عثمان بن عفان ليصلحه،

وعلم أنه كان في حجره حين قتل وأن الدم وقع على الآية الكريمة ” فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم”، فقال نافع: ” بصرت عيني بالدم على هذه الآية وقد قدم”.

خلاصة القول أن الكلمات الربانية ” فسيكفيكهم الله ” هي وعد الله الحق للرسول الكريم وللمسلمين

أنه لا ينكسر ولا يضيع أبداً ما دام معه الله القوي الذي لا يضعف ولا ينكسر أبداً والحي الذي لا يموت.

فالله هو خير حافظ من كل الشرور والأحقاد والمكائد التي ينسجها الكفار وأعداء لله للرسول وأتباعه،

فمهما فعلوا لا يمكنهم أبداً إيذاء الرسول لأنه في معية الله وحمايته.