مقالات اقتصادية واجتماعية

ما هو الاقتصاد الرقمي؟


يُشير مفهوم الاقتصاد الرقمي أو كما في الإنجليزية وفي ميدان الاقتصاد(The Digital Economy) إلى تلك الشبكة العالمية التي تضم كافة الأنشطة الاقتصادية، والتفاعلات العملية والمهنية، والمعاملات التجارية، التي يتم تمكينها وتقويتها وتطويرها عن طريق مجموعة من التقنيات الخاصة بالمعلومات والاتصالات والتي تختصر بالرمز (ICT)، علمًا أنّ الإقتصاد الرقمي يعكس حالة من الانتقال من الثورة الصناعية الثالثة، إلى الثورة الصناعية الرابعة، إذ تشير الثورة الصناعية في مرحلتها الثالثة والتي يطلق عليها اسم الثورة الرقمية، إلى جُملة من التغييرات التي طرأت على الجانب الاقتصادي في العالم في فترة أواخر القرن العشرين، تزامنًا مع الانتقال من العمل ضمن  الأجهزة الإلكترونية والميكانيكية التناظرية، إلى العمل نحو استخدام التقنيات الرقمية، ويجدر بالذكر أنّ الثورة الصناعية الرابعة تعتمد وتقوم على الثورة الرقمية بشكل أساسي، مع الحفاظ على استمرار التقنيات الحالية في سد احتياجات كل من العالم المادي، وعالم الإنترنت(1).

ويجدر بالذكر أنه لا يوجد مفهوم محدد معتمد عالميًا للرقمنة، أو للتجارة الرقمية حتى وقتنا الحاضر، ويعد غياب وجود تعريف متفق عليه عمومًا لـمصطلح “الإقتصاد الرقمي”، أو “القطاع الرقمي”، ونقص التصنيف الصناعي والاقتصادي لتوضيح هذا المفهوم، ونقص المنتجات الخاصة بمنصات الإنترنت، والخدمات المرتبطة بها، أحد أكبر العقبات التي تقف أمام قياس الإقتصاد الرقمي(2).

الاقتصاد الرقمي

أهمية الاقتصاد الرقمي

على الرغم من أن بعض المنظمات والأفراد يقومون باستخدام التقنيات المتاحة حاليًا لتنفيذ المهام الحالية على جهاز الحاسوب، إلا أن الإقتصاد الرقمي أكثر تقدماً من ذلك، إذ لا يكفي استخدام الحاسوب لأداء المهام التي تتم تقليديًا أو بشكل يدوي، بل يلعب الإقتصاد الرقمي بدلاً من ذلك، دورًا بارزًا في إظهار الفرصة والحاجة المُلحة إلى المنظمات والأفراد، ويدفعهم إلى استخدام هذه التقنيات الرقمية، لغرض تنفيذ تلك المهام بشكل أفضل، وبجودة أعلى، وخلال فترة زمنية أقصر أي بشكل أسرع، وغالبًا ما تكون النتائج أو المخرجات مختلفة تمامًا عن ذي قبل.

علاوة على ذلك، تكمن أهمية الإقتصاد الرقمي في القدرة الكاملة على تحقيق الاستفادة المثلى من التقنيات، لتنفيذ جميع المهام، ولضمان المشاركة في الفعاليات والأنشطة التي لم تكن ممكنة ومتاحة في الماضي، علمًا أنّ مثل هذه الفرص التي يتمّ توفيرها للكيانات المهنية الموجودة في سوق العمل، تضمن القيام بالأعمال بشكل أفضل، وبطريقة مختلفة بعيدة كل البعد عن كل ما هو تقليدي، وقد استفاد العديد من رواد الأعمال من كافة التقنيات الرقمية المتاحة، والتي بدورها تغذي الإقتصاد الرقمي، وتتيح الفرصة لإنشاء منشآت، ومشروعات وشركات جديدة، وتقديم نماذج أعمال جديدة لم يكن من الممكن أن توجد قبل ذلك، أو كانت موجودة بحجم أصغر وأقل تطورًا  في الأجيال الماضية(1).

رواد الاقتصاد الرقمي

استفاد العديد من رواد الأعمال من التقنيات التي تغذي الإقتصاد الرقمي لإنشاء أعمال جديدة، وقد عمل دون تابسكوت على صياغة مصطلح الإقتصاد الرقمي لأول مرة في التاريخ، في أحد كتبه، وكان ذلك الكتاب الأكثر مبيعًا لعام 1995م، وقد حمل عنوان “الإقتصاد الرقمي، الوعد والخطر في عصر الاستخبارات الشبكية”، إذ قدم مجموعة من المعلومات الأساسية والهامة والتي شكلت ركيزة وحجر أساس لفهم آلية الإقتصاد الرقمي، وقد وصف نيكولاس نغروبونتي، وهو مؤسس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي بدوره يتبع لمعمل ماساتشوستس، وهو أيضًا مؤلف كتاب Being Digital، والذي أصدر نسخته الأولى عام 1995، حيث وصّف فيه أنّ الإقتصاد الرقمي بأنه يستخدم “البتات بدلاً من الذرات”(4).

الإقتصاد الرقمي مقابل اقتصاد الإنترنت

في الأيام الأولى من صياغة مفهوم الاقتصاد الجديد، كان الإقتصاد الرقمي يطلق عليه أحيانًا اقتصاد الإنترنت، أو الاقتصاد الجديد المرتبط بالإنترنت، أو اقتصاد الويب، نظرًا لاعتماده على الاتصال بشبكة الإنترنت، ومع ذلك، يؤكد الاقتصاديون وقادة الأعمال أن الإقتصاد الرقمي أكثر تقدمًا وتعقيدًا من اقتصاد الإنترنت، والذي يعني في تعريف واحد، القيمة الاقتصادية المستمدة من الإنترنت، أي باستخدام هذه الشبكة فقط(4).

الإقتصاد الرقمي ومؤشر المجتمع

إنّ مؤشر الاقتصاد والمجتمع الرقمي أو كما يتمّ اختصاره بـ (DESI)، هو عبارة عن ذلك المؤشر المركب او المزدوج الذي تم نشره من قبل المفوضية الأوروبية منذ عام 2014، ويتم نشره سنويًا منذ ذلك الوقت، إذ يقيس هذا المؤشر مدى التقدم الذي أحرزته دول الاتحاد الأوروبي نحو الاقتصاد والمجتمع الرقمي، ويقوم مبدأ عمله على الجمع ما بين مجموعة من المؤشرات ذات الصلة بشأن مزيج السياسة الرقمية الحالي في أوروبا(4).

نماذج على الإقتصاد الرقمي

هناك عدة نماذج وأمثلة على تحول الشركات التقليدية إلى النجاح في الإقتصاد الرقمي، بما في ذلك تجار  التفرقة أو التجزئة، على سبيل المثال، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فقد قام معظم تجار التجزئة في البداية بتطوير مواقع الويب لتمكين المبيعات عبر الإنترنت، في الوقت الذي ينتقل فيه العالم إلى الإقتصاد الرقمي بشكل أكبر وأوسع، وقد أصبح تجار التجزئة الذين يفكرون في العمل المستقبلي ويتجهون نحو التقنيات الحديثة والرقمية للوصول إلى العملاء وتقديم الخدمات المناسبة لهم، عن طريق مجموعة متنوعة من القنوات.

إذ يستخدم تجار التجزئة هذه المبيعات عبر الإنترنت وتطبيقات الجوال لتحديد الفئات المستهدفة، أو المستهلكين، سواء كانوا يتسوقون عبر الإنترنت أو بشكل فردي أو شخصي، إذ يمكنهم جمع وتحليل بيانات التصفح والبيع لكل عميل لفهم اتجاهاته، واهتماماته بشكل أفضل وأدق، كما يمكنهم استعمال هذه البيانات لغرض الوصول إلى العملاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الفيس بوك، وتويتر، مما يتيح خدمة أفضل ومبيعات أعلى في نهاية المطاف، ويضمن تعزيز الولاء للعلامة التجارية.

يشار إلى أنه غالبًا ما تسمى فكرة استخدام تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الحديثة لتوحيد تجربة العملاء في جميع أنحاء العالم الحقيقي، ومواقع الإنترنت، كأسلوب ونهج متعدد الطرق والقنوات، أو متعدد الاتجاهات، بهدف تحقيق الغاية الأسمى وهي زيادة الأرباح(1).

الاقتصاد الجديد

عند الحديث عن الإقتصاد الرقمي، لا يمكننا تجاهل الحديث عن الاقتصاد الحديث، أو الاقتصاد الجديد، إذ إنّ الاقتصاد الجديد هو عبارة مصطلح هام جداً يحاول وصف كافة الصناعات الحديثة والجديدة ذات المواصفات العالية، والنمو المرتف، وهي التي تأتي في طليعة التطور التكنولوجي، والقوة الرقمية الدافعة للنمو الاقتصادي، ويشار إلى أنّ الاقتصاد الجديد بدأ في أواخر التسعينيات، حيث تم إدراج أدوات التكنولوجيا المتقدمة، وخاصة الإنترنت، وأجهزة الحواسيب التي تزداد قوة وتطورًا مع الوقت، علمًا أنه كان ينظر إلى الاقتصاد الجديد على أنه عبارة عن حالة تحول من الاقتصاد القائم على التصنيع التقليدي للسلع الأساسية، إلى الاقتصاد الذي يستخدم التكنولوجيا لإنشاء منتجات وخدمات جديدة بمعدل لا يمكن أن يتناسب مع الاقتصاد الصناعي التقليدي، ويقدم مخرجات تندرج تحت خانة الاحتياجات الثانوية ويضمن رفاهية الشعوب والمؤسسات، وكذلك الأفراد(3).

ختامًا، لقد خلق الاقتصاد الرقمي ثورة حقيقة، إذ ظهرت شركات جديدة وطرق جديدة للتفاعل، ومع ذلك، واجهت العديد من الشركات والصناعات التي لم تستطع أو لم تستطع اللحاق بموكب التطور، أو الاستفادة من التقنيات لتغيير عملياتها، انخفاض ملحوظ في المبيعات والأرباح، وتراجع واضح في حصتها في السوق، وقد وصل بعضها في نهاية المطاف إلى إعلان الإفلاس أو الانهيار التام والكلي.

المراجع



مرجع…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button