منوعات

محمد بن سلمان وميجي والحداثة

نقدم لكم في اشراق العالم التفاصيل عن محمد بن سلمان وميجي والحداثة

محمد بن سلمان وميجي والحداثة

أنا، ومعي كثيرٌ من الموضوعيين العرب، أعتبر تجربة المملكة ودول الخليج هي الأفضل نسبياً بين الدول العربية قاطبة؛ وهذا لا يعني أن هذه التجارب دونما أخطاء، ولكنها الأفضل (نسبياً) وأكرر نسبيا، وبالذات إذا نسبتها إلى دول المنطقة العربية وكذلك إيران. وكان من الواجب أن تكون أفضل مما هي عليه الآن لولا أن (الصحوة المتأسلمة) اعترضت في طريقها ردحاً من الزمن، لكن هذه الصحوة القميئة والمتخلفة والتي لا تمت للمنطق ولا للعصر بصلة، هي الآن فعلاً وليس قولاً في مرحلة أفول في طريقها قطعاً إلى التلاشي.

وفي رأيي -وسبق أن قلت ذلك في مقال سابق- أن ما قام به الأمير محمد بن سلمان مؤخراً للمملكة يشبه ما قام به الإمبراطور (ميجي) لليابان، الذي قال قولته الشهيرة والمكتوبة على قبره في طوكيو (سنستورد الثقافة الغربية ونسبغ عليها النكهة اليابانية)، واستطاع بكل تمكن أن يُحقق هذه المعادلة، التي جعلت اليابان رغم ما أصابها من طوام وكوارث أحد أعظم دول العالم المعاصر، والأمر كذلك ينطبق على الشعب الياباني الذي جعله أحد أسعد شعوب العالم وأكثرهم طمأنينة.

ومن قرأ تاريخ اليابان فإن الإمبراطور ميجي في بداياته واجه ما يواجهه الأمير محمد بن سلمان اليوم من بعض المحافظين اليابانيين، وفي النهاية بقي ميجي رائداً يُعظمه التاريخ، بينما نسي الناس من كانوا يعارضونه، وهكذا هم دائماً العظماء والرواد في التاريخ.

ومن يراقب ويرصد تجربتنا المعاصرة سيجد أن كثيراً ممن ينتقدون انفتاح المملكة ينطلقون من أنها لا تمس عاداتنا وتقاليدنا الموروثة فحسب ولكنها تمس (هويتنا)، التي نتميز بها عن الآخرين. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: ولماذا لا نُغير هذه العادات وتلك التقاليد وبالتالي الهوية، ونواكب متطلبات العالم المتفوق، وبالذات الدول الغربية وكذلك دول الشرق الأقصى، خاصة إذا كان من متطلبات البقاء اليوم أن تكون (التنمية الاقتصادية) في وضع إيجابي متصاعدة معدلاتها، فالتنمية بمعناها الشمولي عندما تنخفض معدلاتها فإن بقاء أي دولة أمرٌ تكتنفه الشكوك.

لقد جربنا خلال العقود الأربعة الماضية التشبث بعاداتنا وتقاليدنا الموروثة وبالتالي بالهوية التي يزاودون عليها، واستوردنا حلولنا الحضارية من الماضي، وفي النتيجة وجدنا أنفسنا أمام قضايا تحد من قدراتنا التنموية وهذه العوائق حسب التجربة تكبر وتتضخم مع مرور الوقت، لنجد أنفسنا في النهاية أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التغير والانفتاح على دول العالم المتحضر، والتماهي معها، وإلا فإن فتناً لا تبقي ولا تذر تنتظرنا في نهاية الطريق؛ لذا فإن المسألة مسألة وجودية، تتعلق بأن نكون أو لا نكون.

أعرف أن قوى التخلف وبالذات المتأسلمين في الداخل والخارج يبذلون أقصى الجهود لإيقاف تجربة الأمير محمد الفتية، لكنني على يقين لا يُخالجه أيّ شك أنهم سيفشلون، لأنه يعمل بمنهج، ويتصرف وفق رؤية، والحقيقة الكونية تقول إن عقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء.

صحيح أن هناك بعض الأخطاء هنا وهناك، وصحيح أيضاً أن الوحيد الذي لا يخطأ هو ذلك الإنسان الذي لا يعمل، أما أن تعمل فلابد من الخطأ بين الحين والآخر، والمهم أن لا نخجل من إصلاح الأخطاء حين حدوثها.

إلى اللقاء،،،
نقلا عن الجزير



المصدر: صحيفة المرصد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى